فضائل موسی بن جعفر علیهما السلام فی تاریخ بغداد للخطیب (ج13 ص29 الی 33 رفم: 6987 ):

 موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، أبو الحسن الهاشمی : یقال أنه ولد بالمدینة فی سنة ثمان وعشرین - وقیل سنة تسع وعشرین ومائة ، وأقدمه المهدی بغداد ، ثم رده إلى المدینة وأقام بها إلى أیام الرشید ، فقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعین ، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفى فی محبسه . أخبرنا الحسن بن أبی بکر ، أخبرنا الحسن بن محمد بن یحیى العلوی ، حدثنی جدی قال : کان موسى بن جعفر یدعی العبد الصالح من عبادته واجتهاده . روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله علیه وسلم فسجد سجدة فی أول اللیل ، وسمع وهو یقول فی سجوده : عظیم الذنب عندی فلیحسن العفو عندک . یا أهل التقوى ویا أهل المغفرة . فجعل یرددها حتى أصبح ، وکان سخیا کریما ، وکان یبلغه عن الرجل أنه یؤذیه فیبعث إلیه بصرة فیها ألف دینار ، وکان یصر الصرر ثلاثمائة دینار ، وأربعمائة دینار ، ومائتی دینار ، ثم یقسمها بالمدینة . وکان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى .

أخبرنا الحسن حدثنی جدی ، حدثنا إسماعیل بن یعقوب ، حدثنی محمد بن عبد الله البکری قال : قدمت المدینة أطلب بها دینا فأعیانی ، فقلت لو ذهبت إلى أبی الحسن موسى بن جعفر فشکوت ذلک إلیه ، فأتیته بنقمی فی ضیعته ، فخرج إلى ومعه غلام له معه منسف فیه قدید مجزع لیس معه غیره ، فأکل وأکلت معه ، ثم سألنی عن حاجتی ، فذکرت له قصتی ، فدخل فلم یقم إلا یسیرا حتى خرج إلی فقال لغلامه : اذهب . فمد یده إلى فدفع إلی صرة فیها ثلاثمائة دینار ، ثم قام فولى . فقمت فرکبت دابتی وانصرفت . قال جدی یحیى بن الحسن : وذکر لی غیر واحد من أصحابنا أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب کان بالمدینة یؤذیه ویشتم علیا ، قال : وکان قد قال له بعض حاشیته دعنا نقتله ، فنهاهم عن ذلک أشد النهی ، وزجرهم أشد الزجر ، وسأل عن العمری فکر له أنه یزدرع بناحیة من نواحی المدینة ، فرکب إلیه فی مزرعته فوجده فیها ، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمری لا تطأ زرعنا ، فوطئه بالحمار حتى وصل إلیه فنزل فجلس عنده وضاحکه ، وقال له کم غرمت فی زرعک هذا ؟ قال له مائة دینار ، قال : فکم ترجو أن یصیب ؟ قال : أنا لا أعلم الغیب . قال : إنما قلت لک کم ترجو أن یجیئک فیه ؟ قال : أرجو أن یجیئنی مائتا دینار ، قال : فأعطاه ثلاثمائة دینار وقال : هذا زرعک على حاله . قال : فقام العمری فقبل رأسه وانصرف . قال : فراح إلى المسجد فوجد العمری جالسا ، فلما نظر إلیه قال : الله أعلم حیث یجعل رسالته . قال : فوثب أصحابه فقالوا له ما قصتک ؟ قد کنت تقول خلاف هذا قال : فخاصمهم وشاتمهم ، قال : وجعل یدعو لأبی الحسن موسى کلما دخل وخرج . قال : فقال أبو الحسن موسى لحاشیته الذین أرادوا قتل العمری : أیما کان خیرا ، ما أردتم ، أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ؟ أخبرنا سلامة بن الحسین المقرئ وعمر بن محمد بن عبید الله المؤدب قالا : أخبرنا علی بن عمر الحافظ ، حدثنا القاضی الحسین بن إسماعیل ، حدثنا عبد الله بن أبی سعد ، حدثنی محمد بن الحسین بن محمد بن عبد المجید الکنانی اللیثی قال : حدثنی عیسى بن محمد بن مغیث القرظی - وبلغ تسعین سنة - قال : زرعت بطیخا وقثاء وقرعا فی موضع بالجوانیة على بئر ، یقال لها أم عظام ، فلما قرب الخیر ، واستوى الزرع ، بغتنی الجراد ، فأتى على الزرع کله ، وکنت غرمت على الزرع وفی ثمن جملین مائة وعشرین دینارا فبینما أنا جالس طلع موسى بن جعفر بن محمد فسلم ، ثم قال : أیش حالک ؟ فقلت : أصبحت کالصریم بغتنی الجراد فأکل زرعی ، قال : وکم غرمت فیه ؟ قلت : مائة وعشرین دینارا مع ثمن الجملین . فقال : یا عرفة ، زن لأبی المغیث مائة وخمسین دینارا فربحک ثلاثین دینارا والجملین . فقلت : یا مبارک ادخل وادع لی فیها ، فدخل ودعا وحدثنی عن رسول الله صلى الله علیه وسلم أنه قال : " تمسکوا ببقایا المصائب " ثم علقت علیه الجملین وسقیته ، فجعل الله فیها البرکة ، زکت فبعت منها بعشرة آلاف . أخبرنا الحسن بن أبی بکر ، أخبرنا الحسن بن محمد العلوی ، حدثنا جدی قال : وذکر إدریس بن أبی رافع عن محمد بن موسى قال : خرجت مع أبی إلى ضیاعه بسایة فأصبحنا فی غداة باردة وقد دنونا منها ، وأصبحنا على عین من عیون سایة ، وخرج إلینا من تلک الضیاع عبد زنجی فصیح مستذفر بخرقة ، على رأسه قدر فخار یفور ، فوقف على الغلمان فقال : أین سیدکم ؟ قالوا : هو ذاک ، قال : أبو من یکنى ؟ قالوا له أبو الحسن ، قال : فوقف علیه ، فقال : یا سیدی یا أبا الحسن هذه عصیدة أهدیتها إلیک ، قال : ضعها عند الغلمان ، فأکلوا منها ، قال : ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج على رأسه حزمة حطب ، حتى وقف فقال له یا سیدی هذا حطب أهدیت إلیک . قال : ضعه عند الغلمان وهب لنا نارا . فذهب فجاء بنار . قال : وکتب أبو الحسن اسمه واسم مولاه فدفعه إلی وقال : یا بنی احتفظ بهذه الرقعة حتى أسألک عنها . قال : فوردنا إلى ضیاعه ، وأقام بها ما طاب له ، ثم قال : امضوا بنا إلى زیارة البیت ، قال : فخرجنا حتى وردنا مکة ، فلما قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعدا فقال اذهب فاطلب لی هذا الرجل فإذا علمت بموضعه فأعلمنی حتى أمشی إلیه ، فإنی أکره أن أدعوه والحاجة لی . قال لی صاعد : فذهبت حتى وقفت على الرجل ، فلما رآنی عرفنی - وکنت أعرفه ، وکان یتشیع - فلما رآنی سلم علی ، وقال : أبو الحسن قدم ؟ قلت : لا ، قال : فإیش أقدمک ؟ قلت : حوائج ؟ وقد کان علم بمکانه بسایة ، فتتبعنی وجعلت أتقصى منه ویلحقنی بنفسه ، فلما رأیت أنی لا أنفلت منه ، مضیت إلى مولای ومضى معی حتى أتیته ، فقال لی : ألم أقل لک لا تعلمه ؟ فقلت جعلت فداک لم أعلمه ، فسلم علیه فقال له أبو الحسن غلامک فلان تبیعه ؟ قال له جعلت فداک الغلام لک والضیعة وجمیع ما أملک ، قال : أما الضیعة فلا أحب أن أسلبکها وقد حدثنی أبی عن جدی أن بائع الضیعة ممحوق ، ومشتریها مرزوق . قال : فجعل الرجل یعرضها علیه مدلا بها ، فاشترى أبو الحسن الضیعة والرقیق منه بألف دینار وأعتق العبد ووهب له الضیعة . قال إدریس بن أبی رافع : فهو ذا ولده فی الصرافین بمکة . حدثنی الحسن بن محمد الخلال ، حدثنا أحمد بن محمد بن عمران ، حدثنا محمد بن یحیى الصولی ، حدثنا عون بن محمد قال : سمعت إسحاق الموصلی - غیر مرة - یقول : حدثنی الفضل بن الربیع عن أبیه أنه لما حبس المهدی موسى بن جعفر رأى المهدی فی النوم علی بن أبی طالب وهو یقول یا محمد : * ( فهل عسیتم إن تولیتم أن تفسدوا فی الأرض وتقطعوا أرحامکم ) * [ محمد 22 ] قال الربیع : فأرسل لی لیلا فراعنی ذلک ، فجئته فإذا هو یقرأ هذه الآیة - وکان أحسن الناس صوتا - وقال علی بموسى بن جعفر . فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه ، وقال أبا أبا الحسن إنی رأیت أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب فی النوم یقرأ علی کذا ، فتؤمننی أن تخرج علی أو على أحد من ولدی ؟ فقال : آلله لا فعلت ذاک. ولا هو من شأنی . قال : صدقت ، یا ربیع أعطه ثلاثة آلاف دینار ورده إلى أهله إلى المدینة . قال الربیع فأحکمت أمره لیلا ، فما أصبح إلا وهو فی الطریق خوف العوائق .

أخبرنا القاضی أبو العلاء محمد بن علی الواسطی ، حدثنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدثنا الحسین بن القاسم ، حدثنی أحمد بن وهب ، أخبرنا عبد الرحمن بن صالح الأزدی . قال : حج هارون الرشید ، فأتى قبر النبی صلى الله علیه وسلم زائرا له وحوله قریش وأفیاء القبائل ، ومعه موسى بن جعفر فلما انتهى إلى القبر قال : السلام علیک یا رسول الله ، یا ابن عمی ، افتخارا على من حوله ، فدنا موسى بن جعفر فقال : السلام علیک یا أبة . فتغیر وجه هارون وقال : هذا الفخر یا أبا الحسن حقا . أخبرنا الحسن بن أبی بکر ، أخبرنا الحسن بن محمد العلوی ، حدثنی جدی ، حدثنی عمار بن أبان قال : حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندی بن شاهک ، فسألته أخته أن تتولى حبسه - وکانت تتدین - ففعل ، فکانت تلی خدمته ، فحکى لنا أنها قالت : کان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه ، فلم یزل کذلک حتى یزول اللیل ، فإذا زال اللیل قام یصلی حتى یصلی الصبح ، ثم یذکر قلیلا حتى تطلع الشمس ، ثم یقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثم یتهیأ ویستاک ویأکل ، ثم یرقد إلى قبل الزوال ، ثم یتوضأ ویصلی حتى یصلی العصر ، ثم یذکر فی القبلة حتى یصلی المغرب ، ثم یصلی ما بین المغرب والعتمة ، فکان هذا دأبه . فکانت أخت السندی إذا نظرت إلیه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل ، وکان عبدا صالحا . أخبرنا الجوهری ، حدثنا محمد بن عمران المرزبانی ، حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصیبی ، حدثنی محمد بن إسماعیل قال : بعث موسى بن جعفر إلى الرشید من الحبس رسالة کانت : إنه لن ینقضی عنی یوم من البلاء إلا انقضى عنک معه یوم من الرخاء ، حتى نقضی جمیعا إلى یوم لیس له انقضاء ، یخسر فیه المبطلون . أخبرنا الحسن بن أبی بکر ، أخبرنا الحسن بن محمد بن العلوی قال : حدثنی جدی قال : قال أبو موسى العباسی ، حدثنی إبراهیم بن عبد السلام بن السندی بن شاهک عن أبیه قال : کان موسى بن جعفر عندنا محبوسا ، فلما مات بعثنا إلى جماعة من العدول من الکرخ فأدخلناهم علیه فأشهدناهم على موته ، وأحسبه قال : ودفن بمقابر الشونیزی . أخبرنا أبو سعید الحسن بن محمد بن عبد الله الأصبهانی ، حدثنا القاضی أبو بکر محمد بن عمر بن سلم الحافظ ، حدثنی عبد الله بن أحمد بن عامر ، حدثنا علی بن محمد الصنعانی قال : قال محمد بن صدقة العنبری : توفى موسى بن جعفر بن محمد ابن علی سنة ثلاث وثمانین ومائة . وقال غیره : توفى لخمس بقین من رجب .

 باب ما ذکر فی مقابر بغداد المخصوصة بالعلماء والزهاد بالجانب الغربی فی أعلا المدینة - مقابر قریش دفن بها موسى بن جعفر بن محمد ابن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، وجماعة من الأفاضل معه .
أخبرنا القاضی أبو محمد الحسن بن الحسین بن محمد بن رامین الاستراباذی قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطیعی قال سمعت الحسن بن إبراهیم أبا علی الخلال یقول : ما همنی أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به الا سهل الله تعالى لی ما أحب .