آیة الله العظمی خویی و ردّ شبهات ابن تیمیّه درباره توسّل

لقد علم کلّ مسلم أن رسول الله صلى الله علیه واله وسلم کان یقبل الحجر الاسود ، ویستلمه بیده إجلالاً لشأنه وتعظیما لأمره . وکان صلى الله علیه واله وسلم یزور قبور المؤمنین والشهداء والصالحین ، ویسلّم علیهم ، ویدعو لهم .

وعلى هذا جرت الصحابة والتابعون خلفاً عن سلف ، فکانوا یزورون قبر النبی صلى الله علیه واله وسلم ویتبرّکون به ویقبلونه ، ویستشفعون برسول الله ، کما کانوا یستشفعون به فی حیاته . وهکذا کانوا یفعلون مع قبور أئمّة الدین وأولیاء الله الصالحین ، ولم ینکر ذلک أحد من الصحابة ، ولا أحد من التابعین أو الاعلام ، إلى أن ظهر أحمد بن عبد الحلیم بن عبد السلام بن عبد الله بن تیمیة الحرانی فحرّم شدّ الرحال إلى زیارة القبور ، وتقبیلها ، ومسّها ، والاستشفاع بمن دفن فیها ، حتى أنه شدّد النکیر على من زار قبر النبی صلى الله علیه واله وسلم أن تبرّک به بتقبیل أو لمس ، وجعل ذلک من الشرک الاصغر تارة ومن الشرک الاکبر أخرى!!

 ولما رأى علماء عصره عامة أنه قد خالف فی رأیه هذا ما ثبت من الدین ، وضرورة المسلمین ، لأنّهم قد رووا عن رسول الله صلى الله علیه واله وسلم حثّه على زیارة المؤمنین عامّة وعلى زیارته خاصّة بقوله صلى الله علیه واله وسلم : « من زارنی بعد مماتی کان کمن زارنی فی حیاتی » وما یؤدی هذا المعنى بألفاظ أخر تبرّأوا منه ، وحکموا بضلاله ، وأوجبوا علیه التوبة ، فأمروا بحبسه إمّا مطلقاً أو على تقدیر أن لا یتوب . والذی أوقع ابن تیمیة فی الغلط - إن لم یکن عامداً لتفریق کلمة المسلمین - وهو تخیّله أن الأمور المذکورة شرک بالله ، وعبادة لغیره . ولم یدرک أن هؤلاء الذین یأتون بهذه الأعمال یعتقدون توحید الله ، وأنّه لا خالق ولا رازق سواه ، وأنّ له الخلق والأمر ، وإنّما یقصدون بأفعالهم هذه تعظیم شعائر الله ، و أنّها راجعة إلى تعظیم الله والخضوع له والتقرب الیه سبحانه ، والخلوص لوجهه الکریم ، وأنه لیس فی ذلک أدنى شائبة للشرک ، لأنّ الشرک أن یعبد الانسان غیر الله . والعبادة إنما تتحقّق بالخضوع لشئ على أنّه ربّ یعبد ، وأین هذا من تعظیم النبیّ الاکرم وأوصیائه الطاهرین ( ع) بما هو نبیّ وهم أوصیاء ، وبما أنّهم عباد مکرمون؟!  ولا ریب فی أن المسلم لا یعبد النبیّ أو الوصیّ فضلاً عن أن یعبد قبورهم .

 وصفوة القول : أنّ التقبیل والزیارة وما یضاهیهما من وجوه التعظیم لا تکون شرکاً بأیّ وجه من الوجوه ، وبأیّ داع من الدواعی ، ولو کان کذلک لکان تعظیم الحیّ من الشرک أیضاً ، إذ لا فرق بینه وبین المیّت من هذه الجهة - ولا یلتزم ابن تیمیة وأتباعه بهذا - وللزم نسبة الشرک إلى الرسول الأعظم صلى الله علیه واله وسلم وحاشاه فقد کان یزور القبور ، ویسلّم على أهلها ، ویقبل الحجر الأسود، وعلى هذا فیدور الأمر بین الحکم بأن بعض الشرک جائز لا محذور فیه ، وبین أن یکون التقبیل والتعظیم - لا بعنوان العبودیة - خارجاً عن الشرک وحدوده ، وحیث أنه لا مجال للأول لظهور بطلانه فلا بدّ وأن یکون الحقّ هو الثانی ، فإذاً تکون الأمور المذکورة داخلة فی عبادة الله وتعظیمه : « ومن یعظم شعائر الله فإنها من تقول القلوب 22 : 32 » . وقد مرّت الروایات الدالة على استحباب زیارة قبر النبی وأولیاء الله الصالحین .